Dairy
الزعتر
4
منذ فجر الإنسانية، شكّلت الأعشاب الطبية جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان. قبل ظهور الصيدلة الحديثة، كانت النباتات هي الحل الأول والأكثر فاعلية لعلاج الأمراض، وتخفيف الآلام، وتعزيز المناعة. لكن، هل تعلم أن تاريخ العلاج بالأعشاب يعود إلى أكثر من ستين ألف سنة؟
في هذه المقالة، نأخذك في جولة عبر الزمن، نتعرّف فيها على بدايات العلاج النباتي، وأهم الحضارات التي ساهمت في تطويره، وكيف وصل إلينا هذا العلم الثمين.
أقدم دليل أثري لاستخدام الأعشاب الطبية تم اكتشافه في موقع شاندار شمال العراق، حيث وُجدت آثار نباتات طبية بجوار هيكل عظمي يعود إلى 60,000 سنة، مما يشير إلى أن الإنسان القديم كان يدرك الفوائد العلاجية للنباتات.
في حضارة بلاد الرافدين، تحديدًا لدى السومريين، ظهرت أولى الوثائق المكتوبة حول النباتات الطبية، تعود إلى أكثر من 5,000 سنة. هذه النصوص الطينية تحتوي على قوائم نباتات طبية واستخداماتها، مما يجعلهم من أوائل الشعوب التي وثّقت العلاج النباتي.
قدّمت الحضارة الفرعونية مساهمة عظيمة في طب الأعشاب. فقد تم ذكر الأعشاب بشكل موسّع في ورق البردي الطبي، لا سيما في بردية إيبرس، التي يعود تاريخها إلى حوالي 1550 قبل الميلاد، وتُعد من أقدم وأطول المخطوطات الطبية في التاريخ، وتصف أكثر من 700 وصفة علاجية تعتمد على النباتات.
لم تكتف مصر القديمة بالكتابة عن الأعشاب، بل صوّرتها في جدران المقابر، واحتفظت بها في جرار فخارية، مما يبرهن على قيمتها العالية وارتباطها بالطقوس العلاجية والدينية.
في العالم الإغريقي، لمع اسم ثاوفرسطس، تلميذ أرسطو، الذي ألّف كتاب “الاستفسار في النباتات” (Historia Plantarum)، والذي يُعد من أوائل المؤلفات المنهجية عن النباتات. كما كتب ديوكلس الكاريستي وكراتيوس نصوصًا مهمة حول استخدامات الأعشاب في العلاج.
وعلى الرغم من أن الكثير من هذه الكتب لم يصمد عبر الزمن، إلا أن ما تبقّى منها كشف عن تأثرهم الكبير بالطب المصري القديم، بل ووجود تشابه في أنواع النباتات المستخدمة وطرق تحضيرها.
في الصين، تم العثور على بذور نباتية طبية في مواقع تعود إلى العصر البرونزي، أي إلى عهد أسرة شانغ (1600–1046 ق.م).
ويُعد كتاب “الكتاب الداخلي للإمبراطور الأصفر” (Huangdi Neijing) من أقدم المراجع الطبية الصينية، وقد ذُكر فيه أكثر من 100 نوع من الأعشاب ضمن قائمة من 224 مركبًا طبيًا.
في نظام الطب الهندي القديم (الأيورفيدا)، كانت الحمية الغذائية والعلاج بالأعشاب الركائز الأساسية للعلاج. يُنظر إلى الأعشاب في الثقافة الهندية ليس فقط كدواء، بل كجزء من توازن الجسد والروح والعقل.
في القرن الأول الميلادي، ألّف الطبيب اليوناني ديسقوريدوس كتاب “المقالات الخمس”، الذي يُعد مرجعًا ضخمًا في طب الأعشاب. وقد تُرجم لاحقًا إلى العربية على يد اسطفان بن باسيل، وراجعه حنين بن إسحاق، واستُخدم هذا المرجع لأكثر من 15 قرنًا في العالمين الإسلامي والغربي، ما يؤكد قوة وانتشار هذا العلم.
من الكهوف القديمة إلى مكتبات الحضارات العريقة، شكّلت الأعشاب الطبية أساس الطب الإنساني لآلاف السنين. وهي لا تزال، حتى اليوم، خيارًا علاجيًا يلجأ إليه الملايين ممن يبحثون عن بديل آمن وطبيعي بعيدًا عن المواد الكيميائية.
إن كنت تهتم بصحتك وتبحث عن العودة إلى الطبيعة، فإن فهم هذا التاريخ العريق يمنحك ثقة أكبر في استخدام الأعشاب، وتقديرًا أعمق لقيمتها.